نقدم لكم نظرة تفصيلية عن تعامل جوجل مع الثغرات الضرائب لسنوات في هولندا و إيرلندا ولماذا ستتوقف عن استخدامها.
تختلف قوانين الضرائب والقوانين المالية في شتى أنحاء العالم، لكن يمكن ملاحظة أن كبرى الشركات التقنية الأمريكية العالمية منها تمتلك فروعًا في هولندا وإيرلندا، لكن هل تساءلت يومًا ما هو السبب الحقيقي وراء ذلك؟ ربما تستبعد كثيرًا أنه يتمحور بشكل أساسي حول الثغرات الضريبية، أليس كذلك؟ لكن الحقيقة أن الأمر برمته يتمحور حول طرق التحايل الضريبي القانونية إن صح التعبير واستغلال قوانين مالية في بلدان محددة دون غيرها، لتوفير مئات الملايين من الدولارات سنويًا.
شركة جوجل نفسها أحد أهم تلك الشركات قبل قرار التوقف في 2020، فخلال سنوات ماضية كانت الشركة الأمريكية تتخذ في إيرلندا وهولندا مقرات لها، وهذه المقرات كانت تساهم بشكل كبير في توفير ملايين وربما مليارات الدولارات سنويًا بسبب القانون الذي يسمح بنقل الأموال خارجيًا في البلدان التي لا تفرض ضرائب على الحسابات الخارجية والاستثمارات، والتي تتركز في غالبها بدول الكاريبي، لا سيما بيرمودا.
تُعرف الثغرات القانونية المتعلقة بالضرائب في إيرلندا باسم “Double Irish” وفي هولندا باسم “Dutch sandwich” وكلاهما مرتبطتان مع بعضهما البعض في الكثير من الأحيان بسبب الحاجة لقوانين كلا البلدين في الالتفاف الضريبي، حيث يتم تحويل الأموال إلى البلدين الأوروبيين من باقي فروع الشركات التقنية الأمريكية العالمية (خارج الولايات المتحدة) ومن ثم تحويلها إلى بيرمودا وبعض دول الكاريبي الأخرى، ومن ثم فجأة تصبح خارج حسابات الضرائب الأمريكية والعالمية عند حساب عائدات الشركات.
وقد بدأت هذه الثغرات في الظهور خلال ثمانينات القرن الماضي، وكانت معظمة الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات أو التي تمتلك فروعًا عالمية تحاول الاستفادة منها لتجنب الضرائب، ومنذ بداية الألفية الجديدة أصبحت شركات التقنية الأمريكية المستفيد الأساسي منها، لا سيما جوجل، مايكروسوفت، وآبل والتي واجهت غرامات مالية كبيرة ومتفاوتة خلال السنوات الماضية.
كيف يتم التحايل؟
تتم عملية التحايل من خلال استراتيجية تجعل من فرع الشركة في إيرلندا مقرًا رئيسيًا للعمليات والمداخيل في الخارج، ومن ثم يتم تحويل هذه الأموال إلى شركة هولندية، وبعدها يتم تحويل المبالغ نفسها إلى فرع شركة إيرلندية في بيرمودا، بمعنى أن الأموال انتقلت من شركة إيرلندية إلى أخرى عبر هولندا دون الحاجة لدفع ضرائب وغرامات! تتميز الشركة التي تم تحويل الأموال لها في بيرمودا بامتلاكها حقوق الملكية الفكرية لما تقدمه جوجل، وبالتالي تكون الأموال التي تحصل عليها بحجة ترخيصها لبراءات اختراع وخدمات جوجل في أوروبا وغيرها، لكن بسبب عدم وجود قوانين ضرائب للشركات في بيرمودا فالأمر يصبح بلا ضرائب “Tax Free”.
ويمكن توضيح الأمر بأن الشركات التقنية ومنها جوجل ستضع قيمة إيراداتها العالمية كما هي كدخل أساسي، حيث ستتجنب دفع مئات الملايين من الدولارات كضرائب للحكومة الأمريكية، كون مزود خدماتها يتواجد خارج الولايات المتحدة في بيرمودا، كما ستتجنب أيضًا دفع مئات الملايين للحكومات الأوروبية بسبب القوانين التي تسمح بتحويل الأموال إلى بيرمودا على سبيل المثال بكل سهولة في هولندا وإيرلندا، أي أن هذه الخطوة ستجعل المليارات التي تدخل إلى أموال الشركة خارج الحسابات الضريبية في أهم الأسواق والبلدان حول العالم!
قوانين إجبارية
هذه الثغرات الضريبية في إيرلندا لاقت انتقادات واسعة من أغلب الحكومات، وواجهت البلد الغرب أوروبي ضغوطات كبيرة من الحكومة الأمريكية والدول الأوروبية الأخرى لسدها وتغيير القوانين في 2014، لترضخ الدولة للضغوطات وتمنح الشركات العالمية حتى 2020 للالتزام بالقوانين المالية الجديدة، وبالتالي تأتي خطوة جوجل تماشيًا مع الإنذار الأخير وليس لرغبتها الخاصة.
جوجل قررت خلال 2020 بتغيير البنية التحتية المالية للشركة وترخيصها بالكامل في الولايات المتحدة بدلًا من التعرض لمشاكل جديدة مع تغيير القوانين الأوروبية، وكذلك للاستفادة من قرار الرئيسي الأمريكي ترامب بتخفيض ضريبة الشركات من 35% إلى 21% منذ 2018 لحثها على هذه الخطوة من أجل جني أي مبالغ مالية منها بدلًا من بقائها في الخارج.
لذلك ربما نرى شركات أمريكية أخرى تعلن عن خطوات شبيهة في الأيام القادمة؛ مثل آبل ومايكروسوفت واللتان يستخدمان الثغرات نفسها لكن بطرق مختلفة بإبقاء حقوق الملكية الفكرية داخل الولايات المتحدة.
0 التعليقات: